الملء

الملء - مقالة - عادل غنيم
الملء.pdf
Adobe Acrobat Document 192.8 KB
الأسكندرية - مصر
الأسكندرية - مصر

الملء – لأَنَّهُ فِيهِ سُرَّ أَنْ يَحِلَّ كُلُّ الْمِلْءِ (كولوسى 19:1) – شاء الله أن يحل بكل ملئه فى المسيح ليعمل خلاصا لكل من يؤمن بالفداء الذى أتمه يسوع من البشر. الصورة: الأسكندرية – مصر. تصوير عادل غنيم

 

الملء:

الملء هو الكمال المطلق. وقد شاء الله أن يحل بكل ملئه فى المسيح. ولأن الله هو كامل الكينونة مطلق القدرة تام الكنه حتى المنتهى فهو لا يموت بالطبع. إذن كيف يمكن أن يحدث الخلاص للبشرية الساقطة التى لا يمكن فداؤها إلا بموت الكامل ليعمل هذا الموت فداءا وليس استحقاقا كما هو الموت عند البشر؟. إن البشرية تستحق الموت نتيجة لوقوعها فى الخطيئة منذ زمن أبونا آدم. ولا يوجد أحد منا – مهما سمى – يستحق الحياة الأبدية لأن أجرة الخطية هى الموت (رومية 23:6). أو يموت ليعمل كفارة عن الخطية التى يحملها والموروثة عن أبونا البشرى آدم. كيف يمكن أن يحدث الخلاص والرجوع الى الله تام القدرة من جديد واكتساب صفاته الربوبية والدخول الى ملكوته الأبدى العجيب؟. ذلك ونحن فى وضع نستحق فيه الموت والفناء الأبدى لأننا مولودين خطاة وأصبحنا نحمل المزيد من الخطايا خلال سيرة حياتنا الأرضية.

 

فعل الخطية:

لابد أن يحدث دفع ثمن الحياة الأبدية بعد هذا السقوط المريع. والثمن الوحيد الذى يعمل إتزانا روحيا لخليقة الله من جديد وردها إليه هو الموت الأبدى تكفيرا عن تلك الخطية التى عملت إنفصالا عن الله. ولكن هذا يتعارض مع رحمة الله التامة فى خليقته التى خلقها بإرادته من أجل إتمام خطته الأزلية لمد ملكوته تام البر من السماء الروحية الى الأرض بواسطة آدم وأبناؤه الطائعين – فلا يعقل أن يخلق الله مخلوقا كاملا ثم يهلكه – وهذا الموت لا يمكن أن يكون للخاطىء لكى ينتج كفارة فهو يستحق الموت. لكن المطلوب لتحقيق الفداء التام هو "موت الكامل" الذى بلاعيب أو خطية وليس الناقص المستحق للموت وللفناء الأبدى.

 

من يزيل خطيئة آدم الموروثة؟

الوحيد التام الكامل فى الوجود هو الله. والله لا يمكن أن يموت؟!. لذلك حل الله بكل ملئه فى المسيح. روح ربانية خالصة تامة القدرة حلت فى يسوع المسيح له المجد ليكون ممثلا لله فى جسد بشرى على الأرض أو ليكون هو "صورة الله" المثلى الأولية التى خلقها للإنسان عليها. أو يكون كمثل "آدم الأول" الكامل قبل السقوط. أو "آدم الأخير". (رومية 14:5)... آدم صورة للمسيح الآتى. أليس من المذهل والعجيب والخارق أن يموت الكامل!. إن ذلك ضد سنة الطبيعة المتزنة – تامة العدل التى خلقها الله – وضد ناموسها. لكن المسيح تام الملء أتى الى الأرض منذ نحو ألفى سنة "ليموت" بالنيابة عن المؤمنين به وبالله العلى فينجز تلك الكفارة نتيجة بره التام وعدم إستحقاقه البتة للموت. نعم أرسل المسيح الى العالم الأرضى "ليموت" وهو كامل بلا خطية وبلا أدنى إستحقاق للموت. لماذ؟!. لكى تحدث تلك "الكفارة" المعجزية الكبرى بشكل تام ونهائى وحاسم حتى المنتهى للدرجة التى لا يمكن بعدها عمل تكفير مرة أخرى لأن الطبيعة تتزن من جديد وتتيح للإنسان المؤمن الحياة الأبدية التى أرادها الله له منذ البدء. تلك الكفارة العظمى ينالها فقط من يؤمن بالمسيح الفادى الذى أتم تلك الكفارة من أجل خلاصه الأبدى. ويؤمن بمن أرسله لعمل هذا الخلاص يهوه الله الآب القدوس.

 

الموت النيابى:

هذا هو "الموت النيابى" القاسى لأبعد حدود الذى تحمله المسيح. فهو قد مات نيابة عنا – حاملا خطايانا موفيا أجرتها – ذلك لو آمنا به كمبعوث من الله بكامل خصائصه لعمل هذا الفداء. لقد مات المسيح ففعل ضد للإستحقاق حتى التمام. وتحمل آلآم التضاد الروحى فى عدم استحقاقه المطلق لهذا الموت. بذلك فإن موته أحدث التبرر والتكفير عن الخطية الأولى التى ارتكبها آدم وذلك بشكل كامل وتام أو نهائى. تلك الخطية التى ورثناها عن أبونا آدم الذى سقط وبالتالى طرد هو ونسله – الآتى من صلبه الوارث روحيا تلك الخطية وهذا السقوط – طرد من الفردوس الأرضى والسماوى المعدين لهم. لقد صَارَ آدَمُ، الإِنْسَانُ الأَوَّلُ، نَفْسًا حَيَّةً، وَآدَمُ الأَخِيرُ رُوحًا مُحْيِيًا (1 كورنثوس 45:15). هذا هو خلاصنا الممنوح مجانا من الله خالقنا والذى لم يتخل عنا عندما سقطنا فى الهاوية السحيقة للخطية التى تؤدى الى الموت الأبدى ببشاعته. لذا نحن بالإيمان نكون قد إنتصرنا على الموت – أبشع ما أنتجه العالم الساقط – وعدنا الى الطبيعة الربانية تامة القدرة أيضا والتى لا بعمل عليها موت أو التى تغلب الموت بالقيامة المجيدة بعد هلاك أجساد الخطية الناقصة تلك التى نحتلها حاليا والتى نمضى بها – بلا اكثراث – فى الدنيا تلك العابرة.

 

خطة الله المعجزية لخلاص البشرية:

إذن حل الملء كله فى المسيح ليموت عوضا عمن يؤمن "بخطة الخلاص" الإلهية المدهشة هذه. وحل الملء الإلهى كله فى "شخص" يسوع "إبن الله" والصورة الكاملة له و"إبن الإنسان" المولود كآدمى من العذراء مريم. ذلك ليكون قابلا للموت. فيكون "بناسوته" قابلا للموت ليتحقق هذا التبرر لمن يؤمن بذلك الموت النيابى عنه. فعندما إندمج "اللاهوت" مع "الناسوت" ظهر "المخلص" أو "الفادى" الذى يمكن أن يخلص البشرية التى سقطت ويفديها من الموت المحقق لها. أعنى يسوع المسيح. وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ (أعمال12:4).

 

وهو – يسوع له المجد – بموته ودفنه ماتت معه الخطية ودفنت ولم يعد لها سلطانا على المؤمنين بهذا الموت النيابى المعجزى الذى تم. ولأنه كالملء تماما فهو قادر على القيام من الموت المريع الذى سمح به أن يتم على نفسه. الموت هنا للمسيح يصبح فى منتهى قساوته ورهبته لأنه يعمل على من لا يستحقه لأقصى الدرجات. يحدث على التام ببراءته حتى الملء الكامل الذى بلا أدنى عيب أو نقصان يسوع – الذى هو صورة الله المثلى من جديد بعد آدم قبل السقوط – مات ودفن وبقدراته اللامحدودة كالملء الإلهى بتمامه – أو "بلاهوته" – كان لابد أن يقيم نفسه من الموت ويغلبه ولا يكون لهذا الموت سلطانا أبديا عليه. فروح الله الكامل الذى به قادر على أن يقيمه من بين الأموات – ذلك كما سيحدث لنا – نحن المؤمنين الذين مسحت خطايانا بواسطة المسيح وتقدسنا بالإيمان به وبخطة الله للخلاص التى أتمها – وبالتالى – بحلول الروح القدس نفسه علينا وسكنه فينا للأبد – سنقام بواسطة هذا الروح أحياء الى الأبد بعد الموت المعروف لدى العالم. فنحن صرنا مسيحيين مبررين لا نستحق الموت الأبدى كالمسيح بالضبط – لقد قام المسيح "بلاهوته" منتصرا على الموت – العدو الأكبر للوجود الإنسانى المادى من سقوط آدم – ومثله تماما سنقوم – نحن المؤمنين – من بين الأموات بقوة اللاهوت الذى سكن فينا بعد التقدس بالإيمان المسيحى واستلام الخلاص الأبدى. قال المسيح فى إنجيل (يوحنا25:11) أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا.

 

الملكوت الموعود:

أى عندما حل الملء الإلهى على المسيح – وعلينا كمؤمنين – صرنا كالمسيح أولادا وبناتا بشريين لله الحى القدوس فنلنا قداسته. ودخلنا الى الملكوت – المنتصر على الموت – على الفور منذ لحظة الإيمان المدهشة المهداه تلك. صرنا على صورة الله ومثاله فى عالم كامل آت متوقع كما قد أراد وسر أن نكون. أَبَاكُمْ قَدْ سُرَّ أَنْ يُعْطِيَكُمُ الْمَلَكُوتَ (لوقا 32:12). ونحن فى حالة الإيمان المهيبة هذه – وغلبة روح الله القدس على حياتنا وأفعالنا – لا نستطيع إرتكاب الخطية ولن يكون لها أدنى سلطان علينا فيما بعد. فأبناء الله محميين من عبث الشيطان مصدر كل شر. بهذه الحالة الإيمانية القوية الغالبة على العالم – الفانى الذى يتحول ويموت – وبهذه الحرية التى نلناها بعد الغلبة على الشيطان وأثره المقيت العامل فى العالم. نمضى بهدوء فى سنوات غربتنا على الأرض ببساطة لا متناهية. فالله يرعانا ويرزقنا ويعولنا حتى التمام فى تلك المرحلة الصعبة من تطور البشرية الروحى. الى أن يجىء موعد إنتقالنا المذهل الى السماء لنعاين جهارا المجد الإلهى بتمامه. والنصرة الكاملة عندما نجاور المسيح فى وجوده البهى مع الله الآب فى الأبدية المطلقة ككهنه مقدسين فيهما ولهما.

 

خاتمة:

لقد حل الملء الألهى كله فى المسيح وفينا بعد أن تقدسنا بالإيمان. ونلنا شرف ونشوة حلول "الروح القدس" "روح الكمال والحكمة". "الروح الذى هو ضد الفناء" العامل فينا. وأصبحنا ندعى أبناء وبنات الله أو "أبناء الملكوت" المتوجين فيه الى الأبد. هَا مَلَكُوتُ اللهِ دَاخِلَكُمْ(لوقا 21:17).ينبع من الروح القدس – الساكن فينا – الذى يراه ويعايشه منذ لحظة الإيمان الفاصلة.آمين.

Write a comment

Comments: 0