الخليقة المدهشة

 الملكوت الأرضى الفردوسى المهيب يراه المؤمن كل حين مغلفا بالروح. تصوير عادل غنيم
الملكوت الأرضى الفردوسى المهيب يراه المؤمن كل حين مغلفا بالروح. تصوير عادل غنيم

الخليقة المدهشة – وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ اقْتِنَاءٍ، لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ (1 بطرس 2-9) – النور الربانى المدهش والخليقة الإلهية الكاملة البهية التى تتحدى الفناء يراها المؤمن بالروح فى الطبيعة ويتحد بها بقوة هذا الروح فيتواجد معها الى الأبد. المؤمن يتمكن من رؤية الكمال الإلهى – فى لمحات – عاملا فى ثنايا الحياة والخليقة المتدفقة من حوله – وان كانت ما تزال تعانى من النقصان وعدم الكمال – الصورة: الملكوت الأرضى الفردوسى المهيب يراه المؤمن كل حين مغلفا بالروح. تصوير عادل غنيم

 

أسئلة:

ما أكثر الدهشة التى تعلتى السالك على طريق الإيمان وهو يتطلع بعمق على ملكوت الله من حوله. إن كل ما فى الخليقة به إعجاز ربانى مهيب يراه كل من هو مدعو للإيمان أو من آمن بالفعل وتوحد بالروح الواحد مع الله. إن الروح القدس – الذى هو من الله – يمد المؤمن بطاقة ربانية عجيبة تمكنه من كشف أغوار مذهلة عن المادة والخلق والحياة. وعن السرمدية – التواجد المنتصر الأزلى الأبدى – العاملة فى الوجود. من أين أتت المادة؟. كيف تخلقت الحياة؟ وكيف صارت ذكية؟ ثم روحانية؟. ما هو الخلق الروحى الغير منظور؟. الملائكة – كيف يأتى الخلاص والإيمان المسيحى؟. كيف ندرك بالروح أننا قد خلصنا ورددنا الى الرب الإله بعد سقوط آدم؟. كيف لنا أن نشعر – ولو للمحة من الزمن – بالمثالية وبالكمال المطلق؟. كيف يحدث التنبؤ؟.

أجوبة:

كلها أسئلة يجيب عنها من آمن بالفعل – بقوة الروح القدس المكتسب وحدها – إن الكمال عامل فى الخليقة منذ البدء. لا يتحقق وجود – أو حتى عدم – من دون كمال مطلق ومثالية تامة ينتسب – أى منهما – إليه. من دون تلك العلاقة النسبية – التى بين أى تواجد مادى أو روحى من جهة والكمال من جهة أخرى – فإن هذة الخليقة تتلاشى أو إنها لا تتواجد أصلا. إن الكمال قد أوجد المادة والخليقة كلها وهو سببا لوجودها. وبدونه لا مادة ولا خلق ولا حياة بيولوجية ولا روحية. فكل تلك الأشياء تنسب فى وجودها إليه – ولا تنسب الى النقصان – وبالتالى يتحقق وجودها الفعلى. والكمال هو الله يهوه القدوس القدير الفاعل بالأمر المباشر فى الوجود. إن المادة – فى أبهى صورها – تكون غير معرضة للتحول أو للفناء وكذلك تكون نفس المؤمن ومادة جسد قيامته – إن صح التعبير – وسبب ذلك إنها تكون قد نالت من هذا الكمال صفاته. فبدون هذا الكمال وتلك المثالية المطلقة لا تواجد أبدى ولا نصرة على الموت – الدخيل الى حياة المؤمنين – أبناء الله – على خطيئة آدم الأولى. أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ (رومية 23:6).

 

الوعى أتى فى الكائنات الحية من إنفصال النفس عن الجسد المادى البيولوجى الصرف. فبدأ الكائن التأمل والإنشغال بالوحود من حوله. والكائنات الحية كلها – بما فيها الإنسان – تملك مخ وعقل فى درجات متفاوته من التطور والذكاء. وكلها لا ترتقى بالكائن الى درجة الإيمان بالكمال وبتواجد المثالية المطلقة. بل إنه عامل آخر "خارجى" آت على الكائن يجعله ينتفض مدركا تلك الأمور الغيبية العجيبة. إنه عامل الروح القدس الآت من هذا الكمال والمدفوع دفعا نحو المخلوق ليقدسة بمعرفة هذا الملء الكامل وتلك الإرادة العليا التامة التى تعمل وتخلق وتفعل فى الوجود كما تشاء – إنه الرب الإله أبينا الذى فى السموات وعمله – وهكذا يأتى الإيمان المسيحى – هبة من عنده لا من عندنا مهما اجتهدنا – الإيمان بالسقوط وبالخلاص الذى أتمه يسوع من أجل أبناؤه المعينين المدعوين للإيمان وللسماء وللحياة الأبدية المادية والروحية التى فى معية الرب المباشرة كحياة الملائكة الشداد.

 

المؤمن يتحد مع الملء الإلهى:

ما من مؤمن إلا ويشعر بتلك النزعة الإيمانية المهيبة نحو الكمال والمثالية تخترق حياته الوثنية قبل الإيمان. وهو يتوق إليهما بالروح وبالفكر البشرى معا متى مسها ولو فى لمحة من زمن. إنه يرى الوجود من حوله بتلك النزعة العجيبة فيراه مقدسا كاملا به روح الكمال – روح الله القدس ذو المهابة – وان لم تكن واضحة جلية – تلك النزعة – ولكنها تتواجد به متى عمل الروح عليه. وهى تعمل أتم صورة للوجود – مع الممارسة وتقدم الأيام – يراه المؤمن فى لمحات مدهشة تمده بقوة روحية هائلة وبثقة كبيرة فى الله الخالق. ثقة بأنه موجود ويتمم إيمانه ونعمته عليه بعد أن قبل الإيمان المسيحى. هذا الشعور الخارق هو من عمل الروح القدس لا من الإدراك الطبيعى البيولوجى الذى يكون عليه الإنسان المؤمن. وإلا لماذا كانت الحيوانات غير مدعوة للإيمان؟. بل هى مطروده من الحضرة الإلهيه. المؤمن يسكن فيه روح الله يمده بالقداسة وبتلك المعانى المعنوية السامية. لذلك هو يقدر على أن يتحد بهذا الملء العجيب ويدرك مكنونات عميقة عن الحياة والخلق المدهشين. الروح القدس هو طاقة الله وكماله التام الذى يحل على المؤمن ويمده بقداستة وبمعرفة البر والصلاح ولا يسحبهما مطلقا مهما طالت أيام المؤمن فى هذا العالم الناقص البائس. المؤمن متى أدرك – ولو لتلك اللمحة من الزمن – المثالية إتحد معها ولا يفارقها الى الأبد – وإن لم يشعر بها فى أغلب الأحيان – عندما يقل تجليه ووحدته مع الرب الإله ويهوى الى الواقع البشرى الصرف والحياة البشرية العادية التى بها روح الشرير – لكنها تكون موجودة به كامنة تنتظر إستنفار آت.

 

أين ملكوت السموات؟

إن ملكوت الله ينبع حقيقة من داخل المؤمن لا من خارجه. فالوجود الصرف قائم فى كل الأحوال أمام المؤمن والغير مؤمن. ولكن المؤمن – بعمل الروح القدس – يتمكن من الإتحاد مع المثالية وبالتالى رؤية الفردوس الأرضى المتواجد بالفعل من حول كل الناس ولكن لا يراه إلا من تحلى بسكنى وبقوة الروح الذى هو من الله العلى. هذه هى القداسة التى توحد المؤمن بالله وتجعله ينظر ويتطلع الى العالم من حوله بروحه هو – لا بالنفس البشرية القاصرة – يقول الكتاب ببلاغة تفوق الوصف: هَا مَلَكُوتُ اللهِ دَاخِلَكُمْ (لوقا 21:17). داخل كل من آمن واعتمد على إسم المسيح وتاب واستلم الخلاص المجانى ورد الى كماله وإزيلت عنه الخطية الموروثة عن آدم وتحرر من أغلالها. فصفى العالم من حوله ورآه فى كامل بهاؤه. إن الفردوس الأرضى الداعم للحياة "المادية" الأبدية متواجد من حولنا ولا يدركه ولا يراه إلا من حل عليه روح الكمال. روح الحق والقداسة. روح الله العلى القدير. إِنَّ أَنْبِيَاءَ وَأَبْرَارًا كَثِيرِينَ اشْتَهَوْا أَنْ يَرَوْا مَا أَنْتُمْ تَرَوْنَ وَلَمْ يَرَوْا، وَأَنْ يَسْمَعُوا مَا أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ وَلَمْ يَسْمَعُوا (متى 17:13).

 

فالله أودع ملئه كله فى المسيح. وصار صورته الكاملة كآدم قبل السقوط. إن ... آدم صورة للمسيح الآتى (رومية 14:5). وكل من آمن بالخلاص المسيحى إنتقل إليه لاهوت الله أو لاهوت المسيح وتقدس مثلهما ونال نعمه وشراكة الروح القدس المعلم والمعزى والمقيم له من العثرات فى غمار تلك الحياة الدنيوية. وهو الذى يطلعه على تلك الأسرار السرمدية المهيبة عن الله والخلق والطبيعة الكاملة التى من حوله. إن أبناء الله هم صور للمسيح وأعضاء فى جسده الكامل الذى لم ولن يبلى بوقوع حدث الموت عليه. وهم يلمحون الكمال الإلهى على الفور عاملا فى الخليقة متى آمنوا وإتحدوا مع المسيح. ولا يهتمون بما هو للعالم الناقص. بل يشدهم شدا هذا الحضور الإلهى القريب جدا منهم تاركين العالم وما فيه بلا أسف. أبناء الله يتميزون بنفس الإدهاش للموجودين من حولهم بسبب برهم وصدقهم الأخاذ وسعادتهم العميقة بالتواجد المستمر – الصافى النقى – فى الحضرة الإلهيه وسط عالم حالى مضطرب يموج بالشرور والأحزان.

 

الكمال فى الأرص الجديدة والسماء الجديدة:

إن القيامة من بين الأموات حدث معجزى خارق قد حدث أولا ليسوع المسيح. فقد قام كباكوة لنا – نحن المؤمنين – وبالقيامة وبالمجد الأبدى الذى حدث للمسيح فى تواجده – بعد قيامته المجيدة – على يمين الله أصبح كل مؤمن هو غالب الموت مثله ظافر بالحياة الأبدية نتيجة لإيمانه المسيحى ولإلتزامه بالأعمال البارة خلال سيرته فى الدنيا. فبعد أن سقط عنه وزر الخطية ونتيجته أصبح محررا قابلا لإنتاج البر الكامل وكذلك قابلا للحياة الأبدية – بعد التخلص من جسد الخطية الحالى المقيت – والقيامة من بين الأموات – بجسد القيامة الروحانى الذى بلا عيب أو دنس أو أدنى نقصان كجسد قيامة المسيح – القيامة حدث معجزى جلل متوقع لنا كما قام المسيح. إنه من أعمال الله التى تعجز الكلمات عن وصفها وقيمته تدرك بقوة الروح أيضا. ويدهش منها وينمو فى التواضع والإيمان بالرب كل من يدركه بالروح. الى أن يتحقق الإيمان فتتوقف الدهشة. فالمؤمن – المتحد بالله – لا يندهش من عجائب الرب. فهو فيما بعد لم يعد جزءا من الخليقة التى نقصت – وبالتالى تتعجب – بل أصبح جزءا من الخالق الفاعل. بالإضافة الى إنه يرى الملء المعرفى كله بقوة الروح وإلهاماته. ومن هنا تأتى قدرته على التنبؤ وإن كانت محدودة حاليا. لأَنَّنَا نَعْلَمُ بَعْضَ الْعِلْمِ وَنَتَنَبَّأُ بَعْضَ التَّنَبُّؤِ. 10وَلكِنْ مَتَى جَاءَ الْكَامِلُ فَحِينَئِذٍ يُبْطَلُ مَا هُوَ بَعْضٌ (1 كورنثوس 9:13-10) – ونحن فى انتظاره بمنتهى الشوق – لقد تمكن الأنبياء بالوحى من كتابة الكتاب المقدس بعهديه عبر 1700 عام بوحدة واحدة واتساق وانسجام عجيب يدلل على وحدة مصدره وفوقيته على العالم.

 

إن الوجود والخليقة كلها علامات حية واضحة على وجود الكمال المطلق الذى تنتسب إليه فتبدو محدوديتها ويبدو – فى نفس الوقت – الكمال الذى تتطلع نحوه وتتطور إليه. وكلما إرتقى المؤمن فى إيمانه المسيحى كلما إطلع على مستويات أعلى من تواجد الخليقة المبررة الصافية التى بلا عبث للشيطان. حتى يبلغ – ولو فى لمحات – المثالية الكاملة. ويكون قد أدرك الملء الإلهى. إن من يدرك الملء التام لله يتحد به الى الأبد ولا ينفصل عنه مطلقا. يكون واحدا من أبناء الله العلى القدير الذين من الله عليهم بالأبدية المعجزية.

 

لرؤية الملكوت:

هذا الشعور الخارق بالكمال الآتى يمد المؤمن بالقوة وبالثقة على مغالبة الشر العامل فى الخليقة منذ تمرد الملاك الساقط "الْكَرُوبُ" أو “Lucifer” (حزقيال 28:13-15) – وصار حية على الأرض (إشعيا 29:14) تمرد هذا الملاك على الله ورغب فى مشاركته فى صفاته وقدراته الإلهية وسلطانه على الوجود – رغم أنه كملاك غير مسموح له بذلك بل هو رسولا لله يأتمر ويعمل بإرادة الله لا حتى بإرادته المستقلة فالملائكة بلا إرادة – ما أدهش وأعجب خلق الله وما أبهره أمامنا حاليا! – ولذلك – فى قصة شديدة الإثارة – طرحه الله الى الأرض لإغواء البشر ليميز أبناؤه – المؤمنين الأقوياء فى الإيمان من دون باقى الناس ليكونوا أهلا لملكوته الآتى – ولابد أن يحدث الخلاص تماما من الخطية ومن كآبتها التى تشوش جمال الحياة لكى نتمكن من رؤية الخليقة المدهشة – إن هذا الشعور اللحظى بالكمال يجعل حياة المؤمن ممتعة يتلذذ فيها بشدة بمعرفة الرب الإله وبالتواجد فى حضرته. إن هذا الشعور المهيب هو بوادر الملكوت الأبدى الآتى الموعود به كل مؤمن آمن واعتمد على إسم يسوع له المجد. ورد الى الله ظافرا على الحياة الدنيوية الحالية ممجدا بنعمة الروح القدس الذى يطلعه باستمرار على الفردوس الأرضى العجيب الآتى. آمين. سبحوا الله. ف اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ (مزمور 1:19). آمين.

Write a comment

Comments: 0